الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
فهو ما نشاهده من إجابة الدعاء مثلًا فالإنسان يدعو الله ويقول : ياالله فيجيب الله دعاءه ويكشف سوءه ويحصل له المطلوب وهو إنما قال: ياالله إذًا هناك رب سمع دعاءه، وأجابه، وما أكثر ما نقرأ نحن المسلمين في كتاب الله أنه استجاب لأنبياء الله: فإن الإنسان بطبيعته إذا أصابه الضر قال: (يا الله) حتى إننا حدثنا أن بعض الكفار الموجودين الملحدين إذا أصابه الشيء المهلك بغتة يقول على فلتات لسانه: (يا الله) من غير أن يشعر، لأن فطرة الإنسان تدله على وجود الرب ـ عز وجل ـ وأما الأدلة الشرعية فحدث ولا حرج، كل الشرع إذا تأمله الإنسان علم أن الذي أنزله وشرعه هو الرب - عز وجل - قال الله تعالى: ولكن حصل على جميع الأديان تحريف وتبديل وتغيير من المخالفين لشرائعه: ثانيًا: الإيمان بربويته: ومعنى (الرب): أي الخالق، والمالك، والمدبر، فهذا معنى ربوبية الله ـ عز وجل ـ ولا يغني واحد من هذه الثلاثة عن الآخر، فهو الخالق الذي أوجد الأشياء من عدم ولهذا نقول: إن الله - عز وجل - منفرد بالملك، كما انفرد بالخلق، كذلك أيضًا منفرد بالتدبير، فهو المدبر لجميع الأمور وهذا بإقرار المشركين، فإنهم إذا سئلوا من يدبر الأمور؟ فسيقولون: الله فهو المنفرد بالتدبير: سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم. فالإنسان يعزم أحيانًا على الشيء عزمًا وتصميمًا أكيدًا وفي لحظة يجد نفسه قد عزم على تركه ونقض العزم، وقد يهم الإنسان بالشيء متجهًا إليه ثم ينصرف بدون سبب، وهذا يدل على أن للأشياء مدبرًا فوق تدبيرك أنت، وهو الله ـ عز وجل ـ. فإن قال قائل: كيف تقول: إن الله منفرد بالخلق، مع أنه أثبت الخلق للمخلوق وسمى المخلوق خالقًا. قال سبحانه: فالجواب: أن خلق الإنسان ليس خلقًا في الحقيقة، لأن الخلق هو الإيجاد من العدم، والإنسان عندما يخلق لا يوجد من عدم، لكن يغير الشيء من صورة إلى صورة أخرى. وكذلك (الملك) فإن قال قائل: كيف تقول: إن الله منفرد بالملك مع أن الله سبحانه أثبت الملك لغيره فقال: فالجواب: أن يقال: إن ملك الإنسان ليس كملك الله، لأن ملك الله - عز وجل - شامل لكل شيء، ولأن ملك الله تعالى ملك مطلق غير مقيد، أما ملك الإنسان للشيء فهو غير شامل، فمثلًا الساعة التي معي لا تملكها أنت، والساعة التي معك لا أملكها أنا، فهو ملك محدود ليس شاملًا، كذلك أيضًا ليس ملكًا مطلقًا فأنا لا يمكنني أن أتصرف في ساعتي كما أريد، لأنني مقيد بالشرع الذي هو المصلحة، فلو أراد إنسان تكسير ساعته مثلًا فإن ذلك لا يجوز ولا يملك شرعًا أن يفعل ذلك، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن إضاعة المال فكيف بإتلافه؟ ولهذا قال العلماء: إن الرجل لو كان بالغًا عاقلًا له زوجة وأولاد، وهو سفيه في المال لا يتصرف فيه تصرف الرشيد فإنه يحجر على ماله. لكن الله - عز وجل - يتصرف في ملكه كما يشاء، يحيي ويميت، ويمرض ويشفي، ويغني ويفقر، ويفعل ما يشاء على أننا نؤمن بأنه - عز وجل - لا يفعل الشيء إلا لحكمة. إذًا فهناك فارق بين ملك الخالق وملك المخلوق. وبهذا عرفنا أن قولنا: إن الله منفرد بالملك قول صحيح لا يستثنى منه شيء. وكذلك التدبير، فإنه قد يكون للإنسان، فإنه يدبر مثل أن يدبر خادمه أو مملوكه، أو سيارته، أو ماشيته فله تدبير، لكن هذا التدبير ليس كتدبير الله، فهو تدبير ناقص ومحدود. ناقص إذ لا يملك التدبير المطلق في ماله فأحيانًا يدبر البعير لكن البعير تعصيه، وأحيانًا يدبر الإنسان ابنه فيعصيه كذلك، وكذلك هو تدبير محدود فلا يمكن أن يدبر الإنسان إلا ماله السيطرة والسلطة عليه التي جعلها الشارع له وبهذا صح أن نقول: إن الله منفرد بالتدبير كما قلنا: إنه منفرد بالخلق، والملك. وهو أن يؤمن الإنسان بأنه سبحانه هو الإله الحق، وأنه لا يشاركه أحد في هذا الحق لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولهذا كانت دعوة الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم هي الدعوة إلى قول: لو أن أحدًا آمن بوجود الله، وآمن بربوبية الله، ولكنه يعبد مع الله غيره فلا يكون مؤمنًا بالله حتى يفرده سبحانه بالألوهية. وقد يقول قائل: إن الله تعالى أثبت وصف الألوهية لغيره فقال تعالى عن إبراهيم: فالجواب: أن الألوهية المثبتة لغير الله ألوهية باطلة، ولهذا صح نفيها نفيًا مطلقًا في مثل قول الرسل عليهم الصلاة والسلام لأقوامهم: وهذا معترك الفرق المنتسبة للإسلام بالنسبة لإفراد الله تعالى بالأسماء والصفات، فقد انقسموا إلى فرق شتى أصولها ثلاثة: الأول: الإيمان بالأسماء دون الصفات. الثاني: الإيمان بالأسماء والصفات. الثالث: الإيمان بالأسماء وبعض الصفات. وهناك غلاة ينكرون حتى الأسماء، فيقولون: "إن الله - عز وجل - ليس له أسماء ولا صفات" لكننا تركناها لأنها متشعبة. السلف الصالح الذين كانوا على ما كان عليه النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه يقرون بالأسماء والصفات اتباعًا لما جاء في كلام الله - عز وجل - قال تعالى: وهناك من يثبت الأسماء دون الصفات فيقول: إن الله سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، وهذا هو المشهور في مذهب المعتزلة. والفريق الثالث: يثبت الأسماء وبعض الصفات، فيثبت من الصفات سبعًا وينكر الباقي، والسبع هي: 1.الحياة. 2.والعلم. 3.والقدرة. 4.والسمع. 5.والبصر. 6.والإرادة. 7.الكلام. جمعها السفاريني في عقيدته بقوله: بقـدرة تعلقت بمـمكـن** كـــذا إرادة فعِ واستبنِ يقولون: إن هذه الصفات دل عليها العقل فنثبتها، وما عداها فالعقل لا يدل عليها فلا نثبتها. فيقولون: إن الموجودات دالة على إيجاد، والإيجاد يدل على القدرة، فلا يمكن إيجاد بلا قدرة وهذا دليل عقلي، ويقولون إن التخصيص يدل على إرادة أي كون هذه شمسًا، وهذا قمرًا، وهذه سماء، وهذه أرضًا كل ذلك يدل على إرادة وأن الذي خلقها أراد أن تكون على هذا الوجه، وهذا دليل عقلي أيضًا. وإذا نظرنا في الخلق وجدناه خلقًا محكمًا متقنًا، والإحكام يدل على العلم، لأن الجاهل لايتقن. فثبتت الآن ثلاث صفات: القدرة، والإرادة، والعلم. ثم قالوا: إن هذه الثلاث لا تقوم إلا بحي ومن ثم ثبت أنه حي، فالحي إما أن يكون سميعًا بصيرًا متكلمًا، أو أعمى أصم أخرس، والصمم، والعمى، والخرس صفات نقص، والسمع، والبصر، والكلام صفات كمال، فوجب ثبوت الكمال للحي. فهذه أدلتهم وهي أدلة عقلية، فلذلك أثبتوا هذه الصفات السبع. فإذا قيل له: تثبت لله رحمة؟ قال: لا أثبت له الرحمة، لأني أفسرها بما أعتقد وأقول: الرحمة إرادة الإحسان، أو هي الإحسان نفسه، فلا يفسرها بصفة. ولكن نقول: هذا خطأ بل نحن نستدل بالعقل على ثبوت الرحمة بما نشاهد من آثارها، فالنعم التي لاتعد، والنقم التي تدفع عنا هي بسبب الرحمة، ودلالة هذه النعم على صفة الرحمة أقوى من دلالة التخصيص على صفة الإرادة، لأن دلالة هذه النعم على الرحمة يعرفها العامي والخاص، ومع هذا فينكر هؤلاء صفة الرحمة ويثبتون صفة الإرادة. وبذلك تعرف أن كل من حاد عن طريق السلف فهو في تناقض مطرد، لأن الباطل لا يأتلف أبدًا: أما العقل، فإننا نقول: لا يعقل أبدًا أن يكون الخالق مماثلًا للمخلوق لما بينهما من التباين العظيم، فالخالق موجِد، والمخلوق موجَد، والخالق أزلي أبدي الوجود، والمخلوق جائز الوجود قابل للفناء بل هو فان قال تعالى : قال بعض السلف ـ رحمهم الله ـ: إذا قرأت هذه الآية: لكن لو قال لنا قائل: مما وصف الله به نفسه أن له وجهًا كما قال سبحانه: نقول له: إن هذا الفهم فهم خاطئ، لأن الوجه مضاف إلى الله، والمضاف بحسب المضاف إليه، فوجه الله يليق بالله، ووجه الإنسان يليق بالإنسان، ونقول له أيضًا: أنت لك وجه، والأسد له وجه، والهر له وجه، فإذا قلنا : وجه الإنسان، ووجه الأسد، ووجه الهر، فهل يلزم من ذلك التماثل؟! فلا أحد يقول: إن وجهه يماثل وجه الهر، أو الأسد أبدًا. إذًا نعرف من هذا أن الوجه بحسب ما يضاف إليه، فإثباتنا لصفات الله - عز وجل - لا يستلزم أبدًا المماثلة بين الخالق والمخلوق بدليل السمع وبدليل العقل. الثاني: التكييف: أي إن صفات الله - عز وجل - لا تكيف تقديرًا بالجنان ولا نطقًا باللسان، ودليل ذلك سمعي وعقلي أيضًا. الدليل السمعي قوله تعالى: أما الدليل العقلي لامتناع التكييف فإننا نقول: لا يمكن لأي إنسان أن يعرف كيفية الشيء إلا بمشاهدته، أو مشاهدة نظيره، أو الخبر الصادق عنه. مثل: لو أني شاهدت مسجلًا بعينه فإني أعرف كيفيته لأنني شاهدته بعيني أو مشاهدة نظيره مثل أن يأتيني رجل ويقول: عندي سيارة واشتريتها موديل 88 مثلًا، وصفتها كذا، ولونها كذا، فإنه يمكنني معرفة هذه السيارة، مع أني لم أشاهدها، لأني أعرف نظيرها وأشاهده. ومثال الخبر الصادق عندي مثل: أن يأتيني رجل ويقول : عندي بعير صفته كذا وكذا، وعليه الوسم الفلاني، فهذا عرفت كيفيته بالخبر الصادق. إذا طبقنا هذه القاعدة العقلية على صفات الله ـ عز وجل ـ فإنه لا يمكن أن نعرف صفات الله - عز وجل - بهذه الوسائل الثلاث، لأننا لم نشاهد ولم نشاهد نظيرًا ولم نخبر عنه. ولهذا قال بعض العلماء: إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كيف ينزل؟ فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل ولم يخبرنا كيف ينزل، فعلينا أن نؤمن بما بلغنا وأن نمسك عما لم يبلغنا. ونظير ذلك قول مالك - رحمه الله - حين سأله سائل: فكل من سأل عن كيفية صفة من صفات الله قلنا له: أنت مبتدع فوظيفتك أن تؤمن بما بلغك وتسكت عما لم يبلغك. الملائكة: جمع ملك وأصل (ملك) كما يقول النحويون الذين يحللون ألفاظ اللغة العربية يقولون: أصله (مألك)، ثم زحزت الهمزة إلى مكان اللام وقدمت اللام فصار (ملأك)، ثم حذفت الهمزة للتخفيف فصار (ملك) لماذا؟ قالوا: لأن ملائكة مأخوذة من (الألوكة) وهي الرسالة والهمزة في (الألوكة) مقدمة على اللام. فالملائكة إذًا هم الرسل كما قال الله تعالى: وإذا أردنا أن نعرفهم نقول: هم عالم غيبي خلقهم الله - عز وجل - من نور: والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة، فهذا مرتبته في الدين، ومن أنكر الملائكة فهو كافر، لأنه مكذب لله، ورسوله، وإجماع المسلمين. كيف نؤمن بالملائكة؟ نؤمن بهم أولًا: بأسماء من علمنا اسمه منهم، ثانيًا: بأوصاف من علمنا وصفه، ثالثًا: بأعمال من علمنا عملهم. كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وملك الموت، ومنكر، ونكير، فجبريل، وميكائيل، وإسرافيل كل منهم موكل بما فيه الحياة: فجبريل: موكل بما فيه حياة القلوب وهو الوحي، لأن جبريل هو الذي جعله الله تعالى وكيلًا في نزول الوحي على الرسل، كما قال تعالى: وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الأجساد عند البعث. وأما: ميكائيل: فهو موكل بالقطر، والنبات، وبالقطر والنبات تكون حياة الأرض. ولهذا جمع النبي، صلى الله عليه وسلم، بين هؤلاء الملائكة في حديث استفتاح صلاة الليل، فكان يستفتح صلاة الليل بقوله: وأما (مالك): فهو موكل بالنار لقوله تعالى: عن أهل النار: وأما (رضوان): فموكل بالجنة واسمه هذا ليس ثابتًا ثبوتًا واضحًا كثبوت مالك لكنه مشهور عند أهل العلم بهذا الاسم، والله أعلم. وأما السادس (ملك الموت): وقد اشتهر أن اسمه (عزرائيل)، لكنه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لاتوجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمي من وكل بالموت بـ(ملك الموت) كما سماه الله - عز وجل - في قوله: والسابع والثامن وهما (منكر ونكير): وهما الملكان اللذان يسألان الميت في قبره، وقد ورد في ذلك حديث في الترمذي ضعفه بعض العلماء وقال : إنه لا يمكن أن يطلق اسم (منكر ونكير) على الملائكة الذين: على كل حال فهما الملكان اللذان يسألان الميت عن ربه، ودينه، ونبيه. ثانيًا: الإيمان بأوصاف من علمنا وصفه: علمنا بما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، أنه رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها وله ستمائة جناح قد سد الأفق، وهذا يدل على عظمته، ومع ذلك فإنه من الممكن أن يأتي على غير هذه الصفة، كما أتى على صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، كما في الحديث الذي نحن بصدد شرحه، وجاء مرة على صورة دحية الكلبي، ولكن هذا التحول من الصورة التي هو عليها إلى صورة البشر إنما كان بأمر الله، وقد تمثل جبريل بشرًا لمريم بنت عمران كما قال تعالى: ومن أهم ما يجب الإيمان به أن نؤمن بأن كل شخص معه ملكان يكتبان عمله كما قال الله تعالى : فإياك أيها المسلم أن يكتب هذان الملكان عنك ما يسوؤك يوم القيامة فكل شيء تقوله وتلفظ به فإنه مكتوب عليك: الركن الثالث: الإيمان بالكتب الركن الثالث وهو الإيمان بكتب الله - عز وجل - التي أنزلها على الرسل، وما من رسول إلا أنزل الله معه كتابًا قال تعالى: كيف نؤمن بالكتب؟ الإيمان بالكتب: أن نؤمن بما علمنا اسمه باسمه، والذي علمنا اسمه من هذه الكتب: القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وصحف موسى ـ إن قلنا إنها غير التوراة ـ ومالم نعلم اسمه نؤمن به إجمالًا، لأن الله تعالى لا يضيع خلقه بل سينزل عليهم الكتب ليبين لهم الحق، هذا من حيث الإيمان بالكتب. أما من حيث قبول ماجاء فيها من خبر، فيجب أن نقبل كل ماجاء في هذه الكتب من الخبر، ولكن لا يعني أن نقبل كل خبر فيها الآن، لأنها دخلها التحريف والتغيير والتبديل، لكن نقول: إننا نؤمن بكل خبر جاء في التوراة، أو في الإنجيل، أو في الزبور، أو في صحف إبراهيم. مثال ذلك: في صحف إبراهيم: فما صح من هذه الكتب فإنه يجب علينا أن نقبل خبرة بدون تفصيل هذا بالنسبة للأخبار. أما بالنسبة للأحكام ـ أي ما في الكتب المنزلة من الأحكام ـ ففيه تفصيل: فما كان في القرآن فإنه يلزمنا التعبد به، وماكان في الكتب السابقة نظرنا إن كان مخالفًا لشريعتنا فإننا لا نعمل به لا لأنه باطل، بل هو حق في زمنه،ولكننا لا يلزمنا العما به، لأنه نُسخ بشريعتنا وإن وافق شريعتنا فإننا نعمل به لأن شريعتنا أقرته وشرعته، ومالم يكن في شرعنا خلافه ولا وفاقه فإن العلماء قد اختلفوا في ذلك فمنهم من قال: هو شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرع لنا. فالذين قالوا: إنه شرع لنا استدلوا بمثل قوله تعالى: مثال ما يخالف شريعتنا كقوله تعالى: فاليهود حرم الله عليهم كل ذي ظفر مثل الإبل، وكذلك كل ذي رجل غير مشقوقة أي مالها أصابع ولا فرق بعضها من بعض فهو حرام عليهم، ومن البقر والغنم حرم الله عليهم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما، أو الحوايا أو مااختلط بعظم. فهذا منسوخ بشريعتنا، فإن الله تعالىقد أحل لنا ذلك. وأما مثال ما وافق شريعتنا فكثير مثل قوله تعالى: وأما مالم يرد شرعنا بخلافه فمثاله الأخذ بقرينة الحال: كحكم سليمان بين المرأتين المتنازعتين، حيث دعا بالسكين ليشقه بينهما فوافقت إحداهما وامتنعت الأخرى فحكم به للتي امتنعت مع أنها هي الصغرى، لأن امتناعها دليل على أنها أمه، وهذا لم يرد مثله في شرعنا بعينه، وإن كان قد ورد مايدل على اعتبار القرائن من حيث الجملة. ولكن القول الراجح فيه: أنه شرع لنا، وأننا نعمل به لما ذكرنا من الدليل من القرآن.
|